الإسراء والمعراج
و هكذا اعرض اهل مكة عن الإسلام ، و خذل اهل الطائف النبي صلى الله عليه و سلم ، و ازداد إيذاء الكافرين له و لصحابته ، و خاصة بعد وفاة السيدة خديجة - رضي الله عنها - و عمه ابي طالب ، و اراد الله -سبحانه- أن يخفف عن نبيه ، فاكرمه برحلة الاسراء و المعراج ؛ فبينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم نائما بعد العشاء جاءه جبريل ، فأيقظه و خرج به حتى انتهيا الى دابة اسمها ( البراق ) تشبه البغل ، و لها جناحان ، فركب الرسول صلى الله عليه و سلم البراق حتى وصل بيت المقدس في فلسطين ، و صلى بالأنبياء ركعتين .
و هذه الرحلة من مكة الى بيت المقدس تسمى ( الإسراء ) قال تعالى : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير } _[الإسراء: 1].
ثم بدأت الرحلة السماوية من المسجد الأقصى الى السماوات العلا و تسمى ( المعراج ) و إذا بأبواب السماء تفتح للنبي صلى الله عليه و سلم ، فسلم على الملائكة ، و ظل يصعد من سماء إلى سماء يرافقه جبريل ؛ فرأى الجنة و النار ، و رأى من مشاهد الآخرة ما لم يره إنسان حتى وصل إلى سدرة المنتهى ، و هو موضع لم يبلغه نبي أو ملك قبله ولا بعده تكريما له ، قال تعالى : { فكان قاب قوسين أو أدنى . فأوحى إلى عبده ما أوحى } [النجم: 9-10] وفي هذه الليلة ، فرض الله الصلوات الخمس على المسلمين , و كانت خمسون بداية و لكن الله خفف عن المسلمين فاصبحت خمسا و لكن اجرها بخمسين صلاة ، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ، و ركب البراق عائدا إلى مكة .
وفي الصباح ، حكى رسول الله صلى الله عليه و سلم لقومه ما حدث ، فكذبوه و سخروا من كلامه ، و أراد الكفار أن يختبروا صدق الرسول صلى الله عليه و سلم ، فطلبوا منه أن يصف بيت المقدس -ولم يكن رآه من قبل- فأظهر الله له صورة بيت المقدس ، فأخذ يصفه و هو يراه ، و هم لا يرونه ، و أخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأشياء رآها في الطريق ، و بقوم مر عليهم و هم في طريقهم إلى مكة ، فخرج الناس ينتظرونهم ، فجاءوا في موعدهم الذي حدده النبي صلى الله عليه وسلم فشهدوا بصدقه .
و اسرع بعضهم إلى أبي بكر يقول له في استنكار : أسمعت ما يقول محمد ؟ و كان أبو بكر مؤمنا صادق الايمان، فصدق الرسول صلى الله عليه و سلم في كل ما قاله ، فسماه الرسول صلى الله عليه و سلم ( الصديق ) و هكذا كانت هذه الرحلة تسرية عن النبي صلى الله عليه و سلم ، و تخفيفا للأحزان التي مر بها ، و تأكيدا من الله له على أنه قادر على نصرته ، و كانت ايضا ابتلاء للذين آمنوا حتى يميز الله الطيب من الخبيث .